هموم الوطن في ديوان (اغتراب مزمن ) للشاعر علي عامر بقلم : عبدالله محمد الشميري

Abdullah Alshamiri إلى 51 دقيقة

هموم الوطن في ديوان «اغتراب مزمن» للشاعر علي عامر 

بقلم: عبد الله محمد الشميري


في ديوانه الأول «اغتراب مزمن» يطلُّ علينا الشاعر اليمني علي عامر بشعرية تتغنَّى باليمن أرضًا وإنسانًا، وتعبِّر عن همومه وأحزانه في ظلِّ هذا الظرف التاريخي الصعب الذي تمرُّ به البلاد، وهو في ذلك يعكس روحًا وطنية تتجسَّد فيه كشاعر مرتبط بوطنه ارتباطًا وثيقًا فنذر له حروفه وكلماته، وأدَّى في محرابه صلوات عشقه وتفانيه، والوطنية لدى علي عامر لا تقتصر على المفهوم أو النطاق المحلي بل تتعدَّى ذلك إلى المحيط العربي والإسلامي المُثقل بهموم واضطرابات شتَّى، وهذه الهموم الوطنية ببُعديها المحلي والأممي تتجلَّى وتحضر بقوة في قصائد هذا الديوان الذي يضمُّ بين دفَّتيه خمسًا وخمسين قصيدة جاءتْ جميعها ملتزمة بالنظام الخليلي العمودي.
***
«وطني هناك تناثرتْ أشلائي ** إربًا وما رحم الجميع بكائي
ودمي تطايرَ كي يلوِّن صفحةً ** من مجدكَ المهدوم من أمرائي»
بهذا النداء المخنوق بالألم في مطلع قصيدة «تشظي» يعلن الشاعر عن تشظي الإنسان اليمني على مستويين؛ فالأول تشظيه ألمًا وجراحًا، والثاني تشظيه بين الزعامات التي سلبتْ ابتسامته، ونهبتْ قوْته وحقَّه في الحياة الكريمة؛ ليغدو ضحية تتقاذفها المصائب تلو المصائب، ويحيط بها الموتُ من كل جانب:
«وأنا الضحية دائمًا يا موطني ** صُبحي دماءٌ والدماء مسائي»
وهو اليمني البائس الذي ما فتئ يقاسي عذابات الحياة كما في قصيدة أخرى:
«العذاباتُ كلها تحتويني ** فأنا البؤس والمسرَّات غيري»
والمتتبِّع لتجربة علي عامر الشعرية يدرك ما تركه إرث البردُّوني الشعري من تأثير فيها إن على صعيد حمل هموم الإنسان اليمني بكل إخلاص، أو على صعيد اللغة التي تقترب في أحايين كثيرة من المحلية بخصوصيَّتها من لهجة وثقافة شعبية؛ ففي قصيدة «تكسي في نقاط التفتيش»:
«يا دروب العناء أين مسيري؟ ** لم أعد أهتدي طريق (الزبيري)
أنا في (الدائريِّ) لكن حولي ** في (الرويشان) مسلكٌ (للعميري)»
وهذا الاستدعاء لجُملة من الأماكن يُذكِّرنا بشعر البردُّوني في استدعائه لمناطق وأمكنة عديدة في اليمن، وفي هذه القصيدة تبرز هموم الهوية، وما صنعته السياسة وخلَّفه النزاع المُسلَّح من تمزيق لنسيج المجتمع اليمني الواحد، وعلي عامر يؤكِّد على الهوية اليمنية الواحدة مستحضرًا ذلك من شعر البردُّوني ذلك الرمز الذي تآلفتْ في شخصيته وشعره كل مناطق اليمن بلا تمييز أو إقصاء؛ فيقول في قصيدة أخرى عن أبيات البردُّوني:
«في كل بيتٍ أرى (صنعاءَ) عاشقةً ** (لحضرموت) ويهوى تمرَها العنبُ
وتحتضنْ (أبينُ) (البيضاءَ) في شغفٍ ** وفلُّ (لحج) (لقاعِ البونِ) ينتسبُ
تأتي (مشاقرُ) (حدنانٍ) برونقها ** إلى (المُعلَّا) و(عرْفُ) العودِ يصطخبُ»
وهذا التداعي مع شعرية البردّوني والتأثُّر الشديد بها يعبِّر عنه الشاعر في قوله:
«حرفُ البردُّونِ يحدوني لموعده ** شوقٌ أظنُّ خيالي منه يضطربُ»
ثمَّ هو في هذه القصيدة يرسل شكاواه كمواطن يمني أولًا وكشاعر ثانيًا إلى البردُّوني؛ ليخبره عمَّا آل إليه الحال في بلاده نتيجة صراعات السياسة والمصالح ليختم قصيدته:
«كنا أولو حكمةٍ لكنها رحلتْ ** عنَّا فهل قد (تناسى عرقه الذهبُ؟)»
وعن غياب الحكمة التي اشتهر بها اليمنيون منذ قديم الزمان، يقول علي عامر في برقية مُرسلة إلى الملكة بلقيس:
«بلقيس من صدقِ قولي لا وشاياتي ** أُنْبِيكِ عن عرشكِ المنقوش في ذاتي
عقولُ شُورَاكِ غابتْ عن مجالسنا ** وهدهدُ الحقِّ لم يأتِ بآياتِ»
ومعاناة الإنسان اليمني تتوزَّع على مختلف فئاتِ الشعب وشرائحه، والمعلم واحد من أكثر هذه الفئات تضرُّرًا من تداعيات الأزمة، وعلي عامر هو واحد من أولئك المعلمين الذين حملوا على عاتقهم هذه المهمة التنويرية لأجيال المستقبل على مدى سنوات طويلة؛ ولذا فقد خصَّص لمعاناة المعلم في ديوانه قصيدة نطالع فيها:
«أنا لا أريدُ بلاغةً وخطابا ** أو نظمَ شعرٍ يسحرُ الألبابا
فأنا البلاغة والبيان صناعتي ** أنا من ينوِّر علمه الطُّلابا
أشكو وأهتف من يُخفِّفُ علَّتي ** ومن الوزارةِ ما وجدتُ جوابا
أفنيتُ عمري في مدارس بلدتي ** وصنعتُ من جيل البلادِ شبابا
هم يرحلونَ إلى العُلا وأظنُّني ** سأموتُ كالأسدِ الجريحِ مُصابا»
وعلي عامر شاعر يحسُّ بآلام أبناء وطنه جميعًا، لا يُفرِّق في ذلك بين كبير أو صغير أو رجل وامرأة:
«مليون ثكلى تنوحُ الآن موجعةً ** ومَنْ بلا رحمةٍ قد ضاعفَ الحزَنا»
وهو يرى بألم استفحال القتل في كل أرجاء اليمن:
«لا شيء إلا القتل يا موطني ** للطفل .. للشيخ الذي لا يطيقْ
لا شيء إلا الموت يا موطني ** رفيقنا الأوفى وأغلى صديقْ»
كما أن الالتزام الأخلاقي للشاعر تجاه وطنه يجعل من تلك المعاناة سببًا يقضُّ مضجعه فلا يهنأ بنوم أو راحة، بل يشعر بضيق داخلي يستولي عليه فيحسُّ كما لو أن الوطن قد ضاق عليه رغم مساحته الشاسعة:
«يا موطني رغم اتساع المدى ** وفسحة الأفق الذي لا يضيقْ
رغم امتدادٍ بين رُبْع خلا ** وساحلٍ من هود حتى المضيقْ
لم ألقَ ظلًا أسترِحْ ساعةً ** كالناس في قلبي إلى أن أفيقْ
مضى زمانٌ ما هجعنا وإن ** نغفو أتتْ أهوالُ جرحٍ عميقْ»
وفي هذا الديوان نجد أن علي عامر قد لجأ إلى أسلوب السخرية في بعض القصائد في التعاطي مع الواقع اليمني الذي يحفل بالمتناقضات، والتي يصبح عندها أسلوب السخرية أكثر قدرة على التعاطي معها، كما في قصيدة «إشاعة»:
«كل يومٍ أموتُ بل كل ساعةْ ** ثُمَّ أحيا على طنينِ الإذاعةْ
كل يومٍ أقتاتُ منها بيانًا ** أتسلَّى به وأنسى المجاعةْ
وإذا قلتُ مِتُّ جوعًا أتوني ** يُقنعوني بأن جوعي إشاعة»
إنَّ حبَّ الوطن لدى الشاعر علي عامر هو ما يحرِّك فيه هذا الشعور الوطني الحامل لهموم الوطن وآلامه إذ يخاطب وطنه:
«أنتَ بدءٌ بلا انتهاءٍ ستبقى ** سرمديًا ومن نداكَ ارتشافي»
وفي قصيدة أخرى بعنوان «إلى وطني»:
«إليكَ وأنتَ أطهرُ من سلامي ** وفيكَ وليته يُجدي كلامي
لأنك أنتَ ينبوعُ المعاني ** ودستورُ المحبةِ والوئامِ
لأجلكَ كمْ نذوبُ هُنا ونفنى ** ونُبعثُ من جديدٍ كالخيامِ
فحبُّكَ أيها الوطنُ المُفدَّى ** يطوِّعُ مستحيلاتِ الغرامِ»
***
قبل أن أختم هذه المقالة سأتحدَّث بإيجاز عن هموم الأمة العربية والإسلامية في هذا الديوان؛ فمن قصائد الديوان التي تناولتْ قضايا الأمة العربية والإسلامية: «أسف، صمت، برقية حسرة، بلا عروبة، هوية، عرب التويتر، طلاق بائن».
وفي هذه القصائد يبرز علي عامر مخلصًا لأمته، منتصرًا لقضاياها، يصدح بمواقفه بكل جرأة وشجاعة.
«مثل الفراشاتِ نحو الضوءِ تنجذِبُ ** إن صفَّقَ الموتُ قامتْ ترقُصُ العربُ»
كما أن أسلوب السخرية يظهر مرة أخرى وبشكل أكبر في هذه القصائد:
«الله يا عرب التويتر غرِّدوا ** فالسرب تاهَ وما حداهُ الحادي»
وفي قصيدة أخرى:
«عربٌ نهيمُ بلا عُروبةْ ** كالعانساتِ بلا خُطوبةْ»
إن الانتصار لقضايا الأمَّة والتعبير عن همومها سواءً في فلسطين أو سوريا أو غيرهما من أقطار الوطن العربي والإسلامي المثخنة بالجراح والآلام يبدو جليًا في قصائد هذا الديوان.
«إن الشهامة ماتتْ في عروبتنا ** ومالنا غير كأسِ الذلِّ نحتلِبُ»
إن علي عامر يبحث عن الفاعلية العملية التي بمقدورها صنع الفارق، وتحقيق ما تصبو إليه الأمَّة من إعادة مجدها الغابر؛ فما عاد يجدي الكلام ولا تدبيج الخطابات:
«خُطبٌ وأدعيةٌ هنا ومقامُ ** ولحى تعملقَ تحتها أقزامُ
صخبُ المواعظِ والهتافاتِ التي ** كثُرَتْ فما اتسعتْ لها الأرقامُ
أصواتها بُحَّتْ وبعثرَ لحنَها ** كذبُ المزاعمِ والجموعُ نيامُ
فغدتْ ضجيجًا لا يثير حماسةً ** فينا ولا ثأرًا يثورُ حسامُ»
***
في الختام تجدر الإشارة إلى أن ما حوته هذه المقالة ليس أكثر من لمحة موجزة عن الهموم الوطنية التي حفل بها ديوان «اغتراب مزمن»، وهي من الغزارة في الديوان بحيث يصعب الوقوف عليها جميعها، وإنما تكفي هذه الإطلالة لندرك جانبًا منها، وإنَّ هذه الإطلالة القصيرة لدلالة كافية على أن الشعر لم يفقد بعد دوره كرسالة وقضية، وهذا علي عامر واحد من الشعراء الذين عكسوا هذا الدور في قصائدهم فأنتجوا شعرًا ذا رسالة وطنية قيِّمة دون التضحية بالعنصر الفني، وهذا ما نلمسه في هذا الديوان الذي يُعدُّ باكورة علي عامر الشعرية بعد تجربة طويلة له مع الشعر.
صنعاء - 25 أبريل 2018م

Comments

Popular posts from this blog

قصيدة رمضان للشاعر د.منصور غيضان

صنعاء للشاعر /خالد الشرعبي

لأجل عيونها للشاعر عبده مجلي